شرح حديث: إذا جلس بين شعبها الأربع
شرح حديث: إذا جلس بين شعبها الأربع
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا جلس بين شُعَبها الأربع، ثم جَهَدها، فقد وجب الغسل))؛ متفق عليه.
زاد مسلم: ((وإن لم يُنزِل)).
المفردات:
• ((إذا جلس))؛ أي: الرجل المعلوم من السياق.
• ((بين شُعَبها))؛ أي: شُعَب المرأة، جمع شعبة، وهي القطعة من الشيء، والمراد بشُعَب المرأة الأربع: قيل يداها ورِجلاها، وقيل: رجلاها وفَخِذاها، وقيل: ساقاها وفخِذاها، وقيل غير ذلك؛ قاله الحافظ في الفتح، والمراد في الكل أن ذلك كنايةٌ عن الجِماع.
• ((جهدها))؛ أي: كدَّها بحركتِه؛ يعني: بلغ جهده في العمل بها، والمراد به هنا معالجة الإيلاج، كنَّى عن الجماع.
البحث:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قعَد بين شُعَبِها الأربع، ثم مسَّ الختانُ الختانَ، فقد وجب الغسلُ))؛ رواه أحمد، ومسلم، والترمذي، وصححه، ولفظه: ((إذا جاوز الختانُ الختانَ وجب الغسل)).
والمراد بالختان هنا موضع الختن، والختن في المرأة قطع جلدةٍ في أعلى الفرج مجاوِرة لمخرج البول؛ كعُرْف الديك، ويسمى الخفاض.
وفي الذَّكَر قطع الجلدة التي تغطي الحَشفة.
والمراد بمس الختانِ الختانَ هنا هو تواري الخشفة في الفرج، وهذا يعارض حديث أبي سعيد المتقدِّم، ويعارض كذلك ما رواه البخاري عن عثمان أنه سئل عمَّن جامع فلم يُمْنِ؟ فقال يتوضأ، إلخ الحديث.
والحق أن الحكم الذي أفاده حديث أبي سعيد وعثمان منسوخ، وأن هذا كان رخصةً رخَّص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بَدْء الإسلام، ثم نسخت هذه الرخصة، وأصبح الغسل فرضًا على مَن جامع امرأته ولم يُنزِل.
فقد روى أبو داود وأحمد عن أُبَي بن كعب قال: “إن الفتيا التي كانوا يقولون: الماء من الماء رخصةٌ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص بها في أول الإسلام، ثم أمرنا بالاغتسال بعدها”، وقد صحَّحه ابن خزيمة وابن حبان، وقال الإسماعيلي: إنه صحيح على شرط البخاري.
وفي لفظ: “إنما كان الماء من الماء رخصةً في أول الإسلام، ثم نهى عنها”؛ رواه الترمذي، وصححه.
وقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رجلًا سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يُكسِل – وعائشةُ جالسةٌ – فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأفعلُ ذلك أنا وهذه، ثم نغتَسِل)).
وهذا كله صريحٌ في أن الماء من الماء إنما كان في أول الأمرينِ، وأن وجوبَ الغُسل على مَن جامع فلم يُنزِل هو آخر الأمرين، وقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ﴾ [المائدة: 6]، يُعضِّد وجوب الغسل؛ قال الشافعي: إن كلام العرب يقتضي أن الجنابة تُطلَق بالحقيقة على الجماع، وإن لم يكن فيه إنزال، قال: فإن كل مَن خوطب بأن فلانًا أجنَب عن فلانة عقَل أنه أصابها وإن لم يُنزل، قال: ولم يختلف أن الزنا الذي يجب به الحدُّ هو الجماع، ولو لم يكن منه إنزالٌ؛ انتهى.
ما يفيده الحديث:
1- أنه يجب الغسل من الإيلاج وإن لم يكن منه إنزال.
2- أن حديث الماء من الماء منسوخ.
تعليقات
إرسال تعليق